المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب
لزوم ما لا يلزم
1 - تعريفه:
عرّفه الخطيب القزويني بقوله (1): «هو: أن يجيئ قبل حرف الرّوي وما في معناه من الفاصلة ما ليس بلازم في مذهب السجع» وأعطى مثالا عليه قوله تعالى: .. فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ* وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ الأعراف: 201 - 202.
سلّم على قطن إن كنت نازله … سلام من كان يهوى مرّة قطنا
أحبّه والذي أرسى قواعده … حبّا إذا ظهرت آياته بطنا
ما من غريب وإن أبدى تجلّده … إلّا تذكّر عند الغربة الوطنا
__________
(1). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 553.
فالأبيات الثلاثة انتهت بحرفي رويّ هما الطاء المفتوحة والنون المفتوحة بعدها ألف إطلاق وكانت النون وحدها كافية لاستقامة الوزن والقافية، لكن الشاعر التزم ما لا يلزم.
3 - التزام أكثر من حرفين وحركتين، كقوله تعالى: فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ* وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ الأعراف: 201 - 202.
فانتهت الآيتان بالمقطع الصوتي (صرون) وفيهما التزام ما لا يلزم. ومنه قول الشاعر (الطويل):
سأشكر عمرا إن تراخت منيّتي … أيادي لم تمنن وإن هي جلّت
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه … ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت
رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها … فكانت قذى عينيه حتّى تجلّت
وقد التزم الشاعر بالمقطع (لّت) في الأبيات جميعا، والمفروض أن يتم ذلك في بيتين أو أكثر أو في فاصلتين أو أكثر.
4 - وقد يكون الالتزام في الحرف وحده، كقوله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ القمر: 1 - 2.
فالراء في الآيتين مضمومة تارة ومشدّدة تارة أخرى.
5 - وقد يكون الالتزام في الحركة وحدها، كقول الشاعر (الطويل):
لما تؤذن الدّنيا به من صروفها … يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلّا فما يبكيه منها وإنّها … لأوسع ممّا كان فيه وأرغد
فالتزم الشاعر في البيتين الفتحة قبل الرويّ.
*: اشتهر في هذا الضرب من البديع الشاعر العملاق أبو العلاء المعرّي فكان له ديوان بكامله التزم فيه ما لا يلزم وهو «اللزوميات».
**: ولزوم ما لا يلزم ضرب من السجع كما رأيت وإن وقع في الشعر، ولا يخفى ما فيه من تكلّف سوى ما جاء في القرآن الكريم. وقد لجأ إليه الشعراء تدليلا على قوّة شاعريّتهم، وتمكّنهم من اللّغة والعروض.